السبت، 21 فبراير 2015

حروب الجغرافيات المغلقة



د. ياسين سعيد نعمان
حروب الجغرافيات المغلقة
4/2/2015م
د. ياسين سعيد نعمان


لم تنتج الحروب الأهلية في تاريخها الطويل غير ظواهر اجتماعية مشوهة، بتجلياتها السياسية والثقافية والفكرية والسلوكية، وهي ظواهر تنطوي على أضرار خطيرة على مجتمعاتها، وخاصة تلك الناشئة عن الحروب المستندة على أيديولوجيات دينية أو دنيوية لتخفي الصراع الحقيقي على السلطة والثروة. هذه الظواهر الاجتماعية تتشكل في صورة جغرافيات مغلقة، تعيق بلدانها من التطور، وتضعها في حلقات مفرغة على طريق التفكك والانهيار. الحروب الأهلية ليست طريقا للتغيير ولا وسيلة للبناء؛ فهي تنتج طغاة، وفي كنف الطغيان يبقى "الوطن" مجرد جغرافيا ورعايا وسلطات مطلقة. وفي ظل هذا الطغيان أيضا ينمو التطرف والعنف والإرهاب كمعادل موضوعي لاستبداد الحكم.



لم يكن قد مر على وحدة اليمن سوى بضعة أشهر حتى نشأت الأزمة السياسية بين طرفي الوحدة. نشأت الأزمة بسبب الخلاف على بناء دولة الوحدة. لكن البعض أخذ يجر الموضوع بعيدا عن هذه الحقيقة ويخوض سجالا حول الوحدة السلمية، وكيف أنها غير قابلة للبقاء ما لم ينتصر فيها طرف بالقوة ويستلم السلطة. بدا هذا السجال في المرحلة الأولى وكأنه ترفي محض؛ لكنه ما لبث أن كشف عن ساقه التي يقوم عليها، وهي أن هناك فعلا من يشجع على السير في هذا الطريق الخطير. ولكي يتم تكريس السير في طريق الحرب، أخذ نفس التيار يساجل في موضع آخر، وهو أن الجنوبيين هربوا إلى الوحدة فلماذا نقتسم السلطة معهم؟ وما الذي يجعلنا نقبل بشروطهم بشأن بناء الدولة؟ ألا يكفي أننا قبلنا الوحدة معهم وأنقذناهم من مصير محتوم؟!!... هكذا بدأ التحضير للحرب بضرب الأسس التي قامت عليها الوحدة، وأهم هذه الأسس هي إرادة الأطراف التي اتخذت قرار الوحدة. أما وأن أحد الأطراف، وفقا لزعمهم، قد هرب إلى الوحدة، فهذا يعني أنه فاقد الإرادة في تقرير مصير شعب كان يحكمه، وبالتالي فإنها وحدة مطعون في شرعيتها. وظفوا كل شيء لتبرير الحرب؛ ومشعلو الحروب غالبا ما يكونون أشبه بحاطب ليل، يجمع في حطبته كل ما يعتقد أنه يشعل النار. أخذوا يروجون ويعدون للحرب. رفعوا يومذاك شعاراً تعبويا كريها يقول إن "الحروب تجدد المجتمعات وتوقظ الشعوب من سباتها".



-2-



قامت الحرب وأغرقت البلد في مأساتها. ولم يتجدد المجتمع، بل إن "المجددين" نهبوا البلاد وأذلوا العباد، واستنزفوا ثروات الشعب، وأحالوا مئات الآلاف من هذا الشعب إلى غرف النوم، بدلا من إيقاظه من سباته. وبعد أن كانوا نهابة يتنازعهم الخوف من تهمة النهب، صاروا بفعل الحرب والنصر نهابة جبارين لا يهابون التهمة. فالحرب منحتهم مشروعية النهب والعبث والفساد. أسفرت الحرب عن إنتاج واقع مختلف بجغرافيات سياسية وثقافية واجتماعية وسلوكية مغلقة ومشوهة. تقلصت المساحات الوطنية في المضامين السياسية والثقافية للكلمة وللفعل معا. وفي كنف هذه الجغرافيات وجد التطرف وثقافة الكراهية بيئة خصبة للنمو، وراح الإرهاب يتسلل إلى داخلها وينشئ منصات إطلاق لنشاطه. وأخذت هذه الجغرافيات المغلقة تنهش النسيج الوطني وتقطع أوصاله على نحو لم تعد معه جرعات التعبئة الخاصة بحماية هذا النسيج ممكنة. لم يكونوا في ذلك استثناء، فالحروب الأهلية لها منطقها، ولها أدواتها، ولها معادلها السلوكي والأخلاقي. أما منطقها فيقول إن المنتصر لا بد أن ينعم بانتصاره على النحو الذي يشبع عنده الشعور بالتفوق. وأما أدواتها ففوق القانون والأعراف وفوق قيم المجتمع. وأما السلوك والأخلاق فتتشكل في قلب الحدث المثخن بالجراح والقتل والتدمير، وهما قيمتان تمارسان أثناء الحروب وبعدها ارتجالا وبدون نوازع إنسانية، ووفقا لما تمليه الإرادة الرديئة للمنتصر، والتي يصبح معها فعل هذا المنتصر ملحقاً رديئا بالضرورة.



في الجنوب، الذي استهدفته الحرب، أخذت الجغرافيات المغلقة، في صورها السياسية والثقافية والاجتماعية، التي كرستها الحرب عند المنتصر والملتحقين به، تفرز نمطاً من السلوك يشجع على التعامل مع الشعب كمهزوم. استباح المنتصر حق الناس في العمل، فمارس التجويع والتفتيش في الضمائر لإنهاك "الخصم"، كما قالوا، وانتزعوا الأراضي من الفلاحين وسلموها لمن حاربوا في صفهم، وفتحوا طريقا للثأر من المشروع الوطني، وهو المشروع الذي كان في الأساس موضوع الخصومة مع أولئك الذين عبأتهم صنعاء للحرب إلى صفها، وكافأتهم بتلك الصورة التي كانت أبرز عنوان للفساد السياسي. وقام المنتصر بتدمير وتصفية المؤسسات الإنتاجية والاقتصادية، وقذف إلى الشارع الآلاف من العمال، واستباح الأرض نهبا وتوزيعا كهبات وإكراميات للفاسدين والموالين والقتلة. وما بقي من أراضي ومزارع الدولة قامت القيادات الإدارية الفاسدة في بعض المحافظات بنهبه وتوزيعه على المحاسيب، في أسوأ صور للفساد الذي مورس تحت حماية هذه الجغرافيات. وعمل بصورة ممنهجة على دعم خصوم المشروع الوطني، وهيأ بذلك الأسباب لدخول البلاد مرحلة التفكيك، التي بدأ مشوارها مع نهاية تلك الحرب. أنتجت الحرب جغرافيات مغلقة تبلورت داخلها عناصر صراعات قادمة.



-3-



وفي الشمال خاضت السلطة بعد ذلك ست حروب كاملة لم تجدد شيئا في المجتمع، بل بعثت إلى السطح روائح الطائفية والعصبية البغيضة، وأعادت إنتاجها بواسطة خطاب وفعل تعسفا الضرورات الموضوعية للاندماج الاجتماعي. لم توقظ تلك الحروب الشعب من سباته، كما أنها لم تجدده، بل أدخلته إلى دهاليز التفتيش في أسباب وعوامل التفكيك والانقسام الاجتماعي. هذه الحروب أيضا أنتجت جغرافيات مغلقة سرعان ما أشعلت بعد ذلك حروب الثارات والانتقام، والتي استخدمت نفس عناصر الحشد التي سجلتها الحروب السابقة كشواهد على رداءة كل هذه الحروب وجغرافيتها السياسية والثقافية والفكرية المغلقة، ناهيك عن ضحالة الأسباب التي ولدتها، ولكن من مواقع أخرى.



كانت الثورة الشبابية الشعبية السلمية قد عملت، إلى حد كبير، على ترميم هذا الوضع المشوه الذي أنتجته تلك الحروب، وأعادت فتح ودمج تلك الجغرافيات المغلقة على مساحة وطنية أوسع. كما أنها استعادت، من جانب آخر، القيمة الفعلية للمشروع السياسي من خلال الحوار؛ وإن بروح مثقلة بما تمخض عن الحروب والصراعات المسلحة من بروز قوى وأطراف تملك السلاح كخيار بديل للمشروع السياسي في الوقت المناسب.



اعتقدنا أننا، باستعادة المشروع السياسي السلمي الديمقراطي، قد وضعنا حاجزا قويا بين زمنين لكل منهما أدواته؛ غير أن ما أثبتته الأيام نبهنا إلى حقيقة صادمة، وهي أن الثابت في الحروب العبثية هو اعتمادها على مفاعلات الموروث الذي يتشكل على قاعدة مختلفة تماما عن الحروب الأخرى التي تقوم لأسباب سياسية، مجردة عن تزكية الموروث الديني - الأيديولوجي، والتي يمكن إزالة آثارها بمجرد ما تتم التسوية السياسية على الأرض. تقوم تلك الحروب العبثية على تنازع الحق والباطل، والخير والشر، بين أطرافها، وهو منطق مأفون بدوغما امتلاك الحقيقة، ومعها الحق في القتل وسفك الدم من أجلها، والذي أورث هذا البلد وغيره من بلاد العرب والمسلمين كل هذه الكوارث، وهو مترع بروابط ودوافع أيديولوجية متعصبة، لا تغيب فيها مصالح الآخرين العابرة للحدود، وكذا نوازع تصفية الحسابات فيما بين الدول الأخرى في بلاد الغير، حيث تتوفر شروط إنتاج الحامل الأيديولوجي أو النفعي للقيام بهذه المهمة.



والأيديولوجيات المسترخية فوق أكوام هذه المصالح المشوهة، أو تلك الكامنة والمتربصة في تجاويفها، يكون من وظائفها الأولى طمس جوهر التسامح والعيش المشترك. وعندما تبرز تجليات هذا التسامح في الدعوة إلى "الحكمة والموعظة الحسنة"، و"جادلهم بالتي هي أحسن"، و"تعالوا إلى كلمة سواء"، ومحصلتها النهائية بناء دولة المواطنة، فإن ذلك المنطق المأفون بروائح وغبار تلك الأيديولوجيات يتعرى أمام هذه الحقيقة الجوهرية للإسلام، وذلك ككاهن شرقي دهن جسمه بالفوسفور ليخدع الناس بأنه ينير لهم درب الحقيقة.



-4-



لا يمكن أن نفصل ما يجري في بلدنا اليوم عن نتائج تلك الحروب العبثية، وما ولدته من جغرافيات مغلقة مخترقة من قبل التطرف والإرهاب وغرور التسلط، وما خلقته من دوافع وأسباب وخبرات شيطانية في توظيف كل ذلك لمواصلة المراوغة في بناء دولة المواطنة، والسير في هذا الطريق الذي أنهك البلاد وخرب كل ممكنات إصلاحه.



في 2011، عملنا بكل السبل على تجنب الحرب التي أخذت تلوح في الأفق، بعد انقسام النظام انقساماً رأسياً مع بداية ثورة فبراير؛ وذلك لحماية الثورة السلمية والبلد من آثارها المدمرة. وفي اتجاه معاكس لمسار الثورة السلمية، قامت وساطة بين رأسي الجناحين المنقسمين، وكان الرئيس السابق يومها قد قدم مبادرته بشأن التخلي عن السلطة لنائب اختاره هو (وكان الأخ علي مجور)؛ كان ذلك في بداية مشوار هذه العملية الطويلة. اشتغلت الوساطة على محورين من الدوافع لاستعادة لحمة النظام. كان الأول هو التحذير من خروج الحكم من أيديهم إلى أياد أخرى. وكما زعموا أنه قد يأتي من ينتقم من الجميع، فهناك من يتربص بهم جميعاً. والثاني هو أن هناك من يريد أن ينتقم لحرب 1994، ويريد أن يشعل حربا بين الطرفين، وكنا نحن المقصودين بذلك. ولم تشفع لنا كل جهودنا التي بذلناها لتجنب الحرب والحفاظ على سلمية الثورة. وكان هناك من يريد أن يبتز موقفنا بمثل هذه الادعاءات السخيفة ليصبح صوتنا خافتا في معارضة أي اتفاق يتم بين الطرفين. وقع رأسا الطرفين، ومعهما لجنة الوساطة، اتفاقا يقضي بأن يغادرا السلطة؛ على أن الأهم من هذا كله هو الاتفاق على ترتيب الحكم في النطاق الذي يستعيد فيه نفس النظام السياسي مكانته وألا يخرج الحكم عن دائرته. كانت دول مجلس التعاون تضغط حينذاك بضرورة توقيع المبادرة. ولتخفيف ذلك الضغط، أخذ وزير الخارجية يومذاك الاتفاق الموقع إلى السعودية وبقية دول مجلس التعاون وأطلعهم عليه، وكأن الأطراف "الرئيسية" قد اتفقت على وضع حد "للمشكلة" بهذا الاتفاق. ومن يومها، تراجع الموقف من المبادرة عند هؤلاء، وأخذت نذر الحرب تلوح في الأفق من جديد، وأخذ الطرف الذي استفاد من هذا الاتفاق يعيد بناء حساباته ميدانياً في ضوء ما أصاب المبادرة من ركود. وراحت الأمور تتدهور وتتجه نحو الفوضى والمواجهات المسلحة، بعد أن صور جناحا النظام المنقسم المشهد يومئذ على أنه مجرد صراع على السلطة بينهما. وأخذت الجغرافيات المغلقة، التي كانت الثورة قد هدمت أسوارها وبدأت بتصفية محتوياتها، تستعيد نشاطها وتعيد بناء تشكيلاتها بسرعة لتقتحم المشهد بأدوات مخربة لسلمية الثورة وأهدافها الشعبية. لكن الثورة استطاعت احتواء الوضع وإفشال ذلك الاتفاق الذي بدا أنه قد تم على حسابها. تم التمسك بسلمية الثورة، وجرى، بإصرار وبصورة شاقة، العمل على فصل الثورة عن الضباب الكثيف الذي أحاط بها من جراء هذا الانقسام الذي شهده النظام، وما صاحبه من محاولات إنتاج صيغ ومعادلات عسكرية لاحتواء الثورة السلمية في الوعي الشعبي ولدى المجتمع الإقليمي والدولي على السواء. رفضنا جر البلاد إلى الحرب والصراع المسلح؛ لأننا كنا ندرك أن خيار الحرب سيؤدي في نهاية المطاف إلى انتصار أحد الجناحين، أو اتفاقهما، أو دخول البلد حربا بلا نهاية؛ وهو ما سيرتب، في كل الأحوال، نتائج واستحقاقات تكون ضحيتها الثورة السلمية وربما البلاد برمتها.



أعيدت الثورة إلى مسارها السلمي، وتم توقيع المبادرة كإطار لعملية سياسية واسعة أساسها تغيير النظام السياسي، وتتضمن حوارا وطنيا شاملاً يحقق ذلك، ومعه بناء الدولة المدنية الديمقراطية (دولة المواطنة). العملية السياسية كانت من أهم المحطات التاريخية التي قدمت فرصة لليمنيين أن يتشاركوا في بناء بلدهم، وهو ما لم يحدث في تاريخ هذا البلد منذ أزمان طويلة. هاجم البعض المبادرة والعملية السياسية من منطلقات متباينة. بعضهم من منطلق أن نجاح العملية السياسية سيؤسس لدولة ونظام جديدين يجعلان نظامهم السابق من الماضي. وبعضهم كان يعتقد أن البديل هي الحرب التي ستضعف الطرفين وستهيئ له فرصة أن يصبح الأقوى في معادلة الحكم. والبعض الآخر تعامل مع الثورة من منظور رومانسي لا يخلو من التماهي مع استعارات تاريخية لثورات لم يعد بالإمكان إسقاطها على حقيقة أن ثورة فبراير شملت كل الطيف اليمني باختلاف رؤاهم السياسية والفكرية، وأن القاسم المشترك بينهم كان هو الديمقراطية وليس البرامج الفكرية؛ مما يعني أن انتصار الثورة لن يتحقق بإسقاط النظام وإنما ببناء الدولة الديمقراطية. والبعض الآخر أخذ يعارض بصخب، ويعنف الجميع، بدون رؤيا بديلة محددة، ويستخدم الأخطاء والإخفاقات التي نشأت أثناء التنفيذ لدعم مواقف تقترب من العدمية المطلقة. لم يكن بالإمكان تجنب الانزلاق نحو الحرب إلا بصيغة للعمل السياسي الملتزم بأهداف الثورة. والأهداف التي نقصدها هي ذلك القاسم المشترك المتمثل في إقامة دولة مدنية ديمقراطية توفر فرصة التنافس لكل البرامج السياسية والاجتماعية والفكرية لمختلف القوى السياسية.



-5-



في تحليل مسار هذه العملية، يمكننا القول إن القوى التي تصدت لهذه العملية التاريخية تعثرت في الوصول بها إلى غاياتها الحقيقية حتى الآن، ولكن لأسباب لا صلة لها بصحة الخيار السياسي؛ وإنما بالإدارة وبالظروف التي أحاطت بالعملية السياسية بمجملها فيما بعد.



كم هي الخيارات الصحيحة التي تفرضها معادلات وموازين الصراع السياسي على الأرض في لحظة معينة، ثم لا تلبث أن تصطدم بمقاومة الواقع الذي ينشئ معادلات مضادة انسجاما مع حراك مصالح البشر المتغيرة وغير المستقرة. لسنا هنا بصدد البحث في أسباب هذا التعثر في الوصول بهذه العملية المركبة إلى غاياتها، فهي كثيرة ومتنوعة. منها ما له علاقة مباشرة بهذه القوى، ومنها ما له صلة بالواقع المعقد والمتداخل الذي تمت فيه هذه العملية. ومنها، وهو الأهم، ما له علاقة بالكيفية التي أديرت هذه المرحلة وشرعيتها التوافقية. وبداية، لا بد من الإشارة هنا إلى أنه لم يكن هناك من يعتقد أن السير في هذا الطريق سيتم بدون مقاومة شديدة أو بدون صعوبات ضخمة، فالتغيير السلمي هو عملية نضالية في الأساس تحيط بها الصعوبات من كل جانب، ويحيط بها المتربصون من كل ناحية. وكنا نرى أن أشد المخاطر عليها هي التي ستأتي من داخلها بالقياس مع تلك التي يضخها الواقع المعقد، وهذا ما أثبتته الأيام. غير أن أهم ما يمكن الإشارة إليه بهذا الصدد هو غياب الانسجام بين القوى التي تحملت مسئولية قيادة وإدارة هذه العملية. كانت المحصلة النهائية لغياب هذا الانسجام هي أن أخذ صراع الإرادات يسيطر على الموقف، ويمرر اختياراته بطريقة تتعاكس على نحو مستمر مع شروط نجاح العملية السياسية. كان عدم نقل السلطة هو المظهر الرئيسي لصراع الإرادات تلك، فقد تم التعامل مع قضية نقل السلطة بطريقة مهينة للعملية السياسية كلها (شرحت ذلك بوضوح في "عبور المضيق"). ثم رأينا كيف جاءت إلى كثير من المواقع التنفيذية المؤثرة عناصر لا تشعر بأي التزام أدبي أو أخلاقي تجاه العملية السياسية، وكان بعضها يعمل على تعطيل هذه العملية من موقعه التنفيذي الذي يمنحه القوة والحماية. وفي اتساق مع هذا الوضع، تراكمت جملة من العوامل التي أخذت تضعف المسار السياسي وتفتح الطريق مجددا أمام مشروع الحرب الذي راح يفتح لنفسه ثغرات كبيرة في جدار هذه العملية التي أخذت تتحول من الهجوم إلى الدفاع. وكان أكثرها سلباً هو أنها انتقلت من أيدي القوى السياسية إلى أيدي السلطة؛ أي من طابعها السياسي إلى طابعها السلطوي. إن أخطر ما واجهته هذه العملية هو أنها أديرت بأدوات سلطوية، في حين تراجعت الأدوات السياسية إلى الخلف. وربما كان لذلك أسبابه الموضوعية المتمثلة في بروز صراع الإرادات بين معظم القوى التي جاءت إلى السلطة التوافقية من رحم النظام القديم. كما أن الصراع السياسي الملتبس بأيديولوجيات دينية كثيراً ما تدخل ليعرقل المسار السياسي عند أكثر من محطة. لقد تسلل مشروع العنف والحروب من هذه الثغرات، وأخذ يستقطب مساحات واسعة من البلاد وقطاعات مؤثرة من الشعب، واستطاع في فترة زمنية قصيرة أن يفرض على الأرض اختياراته من خلال الحديث مجدداً عن "تجديد المجتمع"، ولكن بعبارات أخرى مشتقة من الحاجة المجتمعية التي ولدتها إخفاقات وأخطاء مرحلة السلطة التوافقية، وتأخر إنجاز العملية السياسية. لقد حمل رافعو هذه الشعارات أنفسهم مسؤولية ضخمة عندما تحدثوا عن إعادة بناء قيم الشراكة في بناء الدولة ونظامها السياسي الديمقراطي، ومكافحة الفساد، وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، دون أن يحسموا أمر الأدوات التي ستمكنهم من تحقيق ذلك. إن فخ القوة يعيد إنتاج نفسه مجدداً ليكتشف المبشرون الجدد بالـ"تجديد" أن الإرادوية منطق مخادع في كل الأحوال، وخاصة عندما تسلك هذه الإرادوية طريق العنف، فقد يكون العنف والحروب أقرب طريق إلى السلطة، لكنها بالتأكيد لا تكون إلا طريقاً متوهاً وغير معبد عندما يتعلق الأمر بالأهداف.



غالباً ما تتجسد الإرادوية في مثل هذه الظروف في إنتاج صيغها الخاصة بالأهداف في صورة شعارات لها رنين خاص، والتي يتلاشى رنينها بمجرد أن تحسم معركتها على الأرض. ثم تبدأ مرحلة جديدة يتوجب فيها على هذه الإرادوية أن تكتشف حقيقة الواقع الذي تتحرك فيه وكذا طبيعة الأدوات التي تحتاجها في معاركها القادمة. الذين واصلوا مراحلهم اللاحقة بأدوات الحروب والعنف فشلوا. وربما أدرك خصومهم، في كل التجارب البشرية، هذه الحقيقة فعملوا على إغراقهم فيها.



-6-



هذه هي طبيعة الحروب ونتائجها؛ فالشراكة اليوم، مثلاً، باعتبارها مفهوما سياسياً نصت عليه اتفاقات عديدة بين القوى السياسية، حولتها الحرب، بالنتيجة، إلى جغرافيا مغلقة بما انطوت عليه عند بعض الأطراف من نزعات يتجاذبها شعور بالتفوق العسكري يصاحبه إحساس تاريخي بالحرمان من ناحية، وشعور بامتلاك الفرصة التاريخية لتعويض هذا الحرمان من ناحية أخرى. وهي عند أطراف أخرى أداة مساومة بالحد الذي يمكن أن يحقق ميزانا أو تفوقاً في معادلة الحكم، وعند أطراف أخرى هي صراع من أجل الحفاظ على ما تحقق من مكاسب في أزمنة سابقة. عند هذه المفاهيم أُغلقت جغرافية الشراكة وذلك بالوضع الذي استقرت عليه وبالأدوات المنفذة لها. أي أن مشروع الحرب، الذي انخرط فيه الجميع ، والذي راح يتجدد من آونة لأخرى وتحت عنوان "التجديد"، أعاد صياغة الشراكة على نحو مختلف تماما عن مفهومها الذي أنتجته الثورة السلمية باعتبارها تسوية تاريخية تبدأ من الشراكة الحقيقية في حل القضايا الوطنية التي ترتبت على مسلك نظام فاشل في التعاطي مع الوحدة وتدميرها، وخاصة قضية الجنوب، ومسؤولية بناء الدولة وإدارتها بقواعد تضمن حق الجميع في العمل والتوظيف والترقي، وحقهم في ممارسة الاختيارات السياسية، وحقهم في الثروة وفي التعليم والخدمات الصحية، وحقهم في حياة آمنة ومستقرة وفي التملك وممارسة النشاط الاقتصادي والتمتع بالحقوق والحريات التي تكفل لهم العيش الأمن والكريم. باختصار حقهم في الحصول على "وطن" من واجبهم في حمايته والدفاع عنه وبنائه وتطويره.



إن ما تسمى بالشراكة اليوم هي انعكاس لموازين القوة التي تحركت في اتجاهات مختلفة طوال عقود لتنتج هيمنة أطراف بعينها وتشكل جوهر الصراع في هذا البلد، وهي مجرد نموذج للجغرافيا المغلقة التي أنتجتها الحروب، وأكسبتها مفهوما مشوها حددته الحاجة عند مختلف هذه القوى في توظيفها بما يحقق مصالحها فقط. لقد جرى إغلاقها في دائرة القوى المتصارعة لتبدو وكأنها استجابة لما ينتظر السياسة والثقافة والسلوك الاجتماعي من تبدلات جوهرية ستواصل تمزيق النسيج الاجتماعي لتضع البلد كله في فخ الصراعات التي قد تنتهي به إلى انهيارات كبرى.



-7-



لا يمكن أن تكون الحروب الأهلية حلا، كما أنها، بطبيعتها، لا تنتج أي حل يستوعب المشكلات المعقدة للمجتمع، ولم تكن كذلك في أي يوم من الأيام في تاريخ هذا البلد. ظلت الحروب تهيئ الأسباب للعنف ولحروب متتالية بعناوين مختلفة وأهداف واحدة، وهكذا. الشعوب الحية لا أحد يستطيع أن يقنعها بأن الحرب أو العنف طريق لبناء المستقبل؛ لأن الحروب كانت دائما ما تصادر مستقبلها وتأخذ الجزء الأكبر من لقمة عيشها ومن كرامتها، لتكافئ المنتصر. باسم الشراكة، يدخل اليمن اليوم مأزقا خطيراً تعيش فيه البلد فراغا سياسيا خطيرا بعد استقالة الرئيس التوافقي هادي وكذا حكومة بحاح. والحقيقة إن أي محاولة لحل الإشكال القائم اليوم على قاعدة أخرى غير شرعية التوافق التي أسست لقواعد مشتركة من التفاهم بين الأطراف المختلفة على بناء الدولة سيكون مصيرها الفشل، وستدخل البلد في اضطرابات خطيرة. وبهذا الصدد، أرى أن تضبط إدارة الشرعية التوافقية بجملة من الإصلاحات الهامة التي من شأنها أن تعالج الثغرات التي رافقت هذه الإدارة خلال الفترة الماضية. إن الذهاب إلى شرعيات أخرى في هذه اللحظة وتحت أي مسميات كانت سيؤسس لمرحلة من الفوضى وعدم الاستقرار. ولا بد بهذا الصدد أن تضع القوى السياسية وأنصار الله مع الرئيس هادي جملة من التوافقات تكون بمثابة قواعد لخارطة طريق توصل البلاد إلى انتخابات تكون بداية حقيقية لوضع البلاد على طريق الاستقرار والتنمية.

وجهة نظر الدكتور ياسين سعيد نعمان حول استقالة الرئيس




وجهة نظر الدكتور ياسين سعيد نعمان حول استقالة الرئيس
الأحد, 25-يناير-2015
د. ياسين سعيد نعمان
الوضع السياسي الراهن ينذر بكارثة حقيقة إذا لم تتحمل القوى السياسية التي وقعت على اتفاق السلم والشراكة مسئوليتها في التوصل إلى موقف واضح يجسد مضمون هذا الاتفاق لإنهاء الخلاف القائم بين أطرافه ، والذي أدى إلى استقالة الرئيس عبد ربه منصور هادي وكذا استقالة الحكومة .

إن العودة إلى البرلمان لحسم موضوع استقالة الرئيس (قد) يتعارض مع روح الاتفاقات الموقعة بين أطراف العملية السياسية التي اعتمدت التوافق في قيادة هذه المرحلة الانتقالية ،و(ربما) يؤدي إلى إشكالات إضافية في ظل الوضع السياسي المضطرب والحسابات الخاصة لمختلف القوى السياسية ، والمطلوب هو إيجاد الآلية العملية للإشراف على تنفيذ هذا التوافق .

لقد طالبنا بذلك منذ توقيع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ، ولكن الأمور سارت في مسارات أخرى . وإذا كان هناك من دور لمجلس النواب اليوم فليكن دوره هو العمل على إصلاح الوضع المتأزم لما في المجلس من شخصيات وطنية وسياسية ووجاهات قادرة على النصح واحتواء الموقف .

واليوم وقد وصلت الأوضاع في بلدنا إلى هذه الحالة الخطيرة فإنه لا بد من أن تتحمل القوى السياسية الموقعة على اتفاق السلم والشراكة مسئوليتها في معالجة هذا الوضع وإيجاد الحل الذي يجنب البلاد مخاطر الانزلاق نحو المزيد من العنف ومن ثم التفكك . ليس أمامها من خيار آخر ، أو الإعلان عن فشل عملية التوافق وتتحمل الأطراف التي ترفض ذلك مسئولية ما يترتب على الخيارات البديلة من نتائج .

ولا بد من الاشارة هنا إلى أنه بسبب غياب الإطار السياسي للمرحلة الانتقالية فإن ثقل أعباء المرحلة انصب كله على الرئيس هادي، وهي أعباء ضخمة ، وفوق هذا فقد أدى الصراع بين القوى النافذة في سياق هذه العملية إلى تعرضه للابتزاز من قبل هذه القوى ، والتي ظلت تضغط عليه للحصول على مكاسب خاصة في الصراع ، حتى أن كل هذه القوى ، وفي وقت واحد ، راحت تكيل له الاتهامات بالانحياز إلى الآخر ، وأخذت تعمل على إفشال مهمته بشتى الوسائل والسبل . ومارست بهذا دورها المعروف في أضعاف الدولة في كل المراحل لتقوم بابتزازها ، والعمل على بقائها مؤسسات هشة يسهل اختراقها وتوظيفها لمواصلة إضعاف الدولة .

إن ما وصلت إليه البلاد هو محصلة طبيعة لمقاومة تنفيذ الاتفاقات المختلفة ، فالقوى التي تجد نفسها قادرة على التعطيل لم تتردد من ممارسة ذلك . إنني ، وقد وصل الوضع إلى ما وصل إليه ، أناشد كل الأطراف أن تحتكم في اللحظة الراهنة لصوت العقل ولمصلحة هذا الوطن ، ولا بد أن تتحمل الأحزاب والقوى التي وقعت على اتفاق السلم والشراكة مسئوليتها التاريخية في الوقوف أمام قضايا الخلاف بمسئولية كاملة ، وتنطلق في هذا مما تم الاتفاق عليه في بيان ذلك الاتفاق بتاريخ الأربعاء 21يناير2015، وتضع جدولا زمنيا لتنفيذه يكون ملزما للجميع مع تحديد مفهوم واضح لموضوع الشراكة في ضوء نصوص اتفاق السلم والشراكة .

وفي هذا السياق أرجو من الرئيس هادي أن يسحب الاستقالة وانجاز مشواره على طريق بناء الدولة ، وذلك بعد أن تقوم كافة الأحزاب والقوى الموقعة على اتفاق السلم والشراكة بتوقيع ميثاق شرف يتضمن إلتزامها بالعمل على تنفيذ الاتفاق بروح جماعية واستعادة الدولة وهيبتها ، وعلى أن تظل هذه القوى بمثابة إطار سياسي مرجعي لتفسير بنود الاتفاق والإشراف على تنفيذه . ويتوجب على هذا الإطار السياسي ، الذي فشلنا في تحقيقه في المرحلة الأولى ، أن يعمل بكافة الوسائل النظامية وبموجب لائحة تنظم عمله ، وأن تكون قراراته التوافقية نهائية فيما يخص الإشكالات والخلافات التي تنشأ أثناء تنفيذ اتفاق السلم والشراكة .

وأرى أنه لا مخرج أمام اليمن غير التوافق لإنجاز مهام هذه المرحلة والوصول بالبلد إلى الخيار الديمقراطي ، وما عدا ذلك فإنه لن يكون أمامها غير طريق مجهول يعج بالأخطار والكوارث .



نص البيان الختامي للمجلس الحزبي الوطني للحزب الاشتراكي اليمني دورة الوفاء للمناضل علي صالح عباد (مقبل).



نص البيان الختامي للمجلس الحزبي الوطني للحزب الاشتراكي اليمني


بسم الله الرحمن الرحيم

البيان الختامي الصادر عن المجلس الحزبي الوطني للحزب الاشتراكي اليمني

"
دورة الوفاء للمناضل علي صالح عباد (مقبل)"

15-17
ديسمبر 2014

عقد المجلس الحزبي الوطني الأول للحزب الاشتراكي اليمني "دورة الوفاء للمناضل علي صالح عباد (مقبل)" جلسات أعماله تحت شعار "دولة اتحادية ديمقراطية من إقليمين تحتكر السلاح ويسودها القانون" في صنعاء في الفترة 15-17 ديسمبر 2014 برئاسة الدكتور ياسين سعيد نعمان وبمشاركة 1614 مندوباً ومندوبة يمثلون اللجنة المركزية للحزب ومكتبها السياسي، ولجان منظمات الحزب في المحافظات، وبعض منظمات الحزب في الخارج، وأعضاء لجنة الرقابة والتفتيش المركزية، وعدد من الشابات والشباب الناشطين في منظمات المجتمع المدني، وأعداد مختارة من شابات وشباب ساحات الحراك السلمي الجنوبي وساحات التغيير والحرية.

وفي أجواء مفعمة بالفرح والحماس افتتحت أعمال المجلس بالسلام الوطني وبآي من الذكر الحكيم، رحب الاشتراكيون والاشتراكيات بالضيوف الذين حضروا الجلسة الافتتاحية للمجلس والذين يمثلون قادة الأحزاب والتنظيمات السياسية اليمنية، وممثلون عن منظمات المجتمع المدني، وأعداد من المثقفين والأكاديميين والشخصيات الاجتماعية الوطنية، ومن القيادات النسوية والشبابية، وكذا عدد من الوزراء ومن أعضاء مجلسي النواب والشورى، وممثلين عن عدد من المنظمات الفلسطينية.

لقد احتفى الاشتراكيون والاشتراكيات بمجلسهم الحزبي بتحويل جلسته الافتتاحية إلى عرس بهيج صدحت فيه الألحان الوطنية الثورية، والعاطفية المعبرة عن المشاعر الوطنية والإنسانية المتغلغلة في وجدان اليمنيين رجالاً ونساءً، والمعبرة عن كفاحاتهم في مراحل تاريخية عديدة، وعن تطلعاتهم وأشواقهم، وتمسكهم بقيم الحب والحرية والعدالة والمدنية والثقافية والإنسانية الرفيعة، وحماسهم الجياش لإنجاز مهام التغيير والتحديث، وتكريس مبادئ التعايش والسلم الأهلي والاجتماعي، وتمجيد قيم العمل وحب الوطن.

كما رافقت الفقرات الفنية المتخللة لوقائع الجلسة الافتتاحية رقصات تعبيرية بهيجة أدتها مجموعات من الأطفال والزهرات والشباب، وإلى حلبة الرقص اندفع العشرات من المندوبين ومن الضيوف، للمشاركة بالرقص تعبيراً عن سعادتهم بيوم عرس الاشتراكيين.

كما استمع الضيوف والمندوبون والمندوبات إلى كلمة عن شباب وشابات الحزب، وكلمة عن نسائه عبرتا عن التصميم لمواصلة المسيرة الكفاحية الوطنية على نهج حزبهم، وإعلاء دور الشباب والنساء في هذه المسيرة في المستقبل.

وباحتفاء بالغ استقبل أعضاء المجلس كلمة فخامة رئيس الجمهورية الأمين العام للمؤتمر الشعبي العام الأخ/ عبد ربه منصور هادي الموجهة إلى المجلس، والتي ألقاها نيابة عنه الأخ/ المناضل مجاهد القهالي عضو الأمانة العامة للمؤتمر، وفيها حيا الحزب الاشتراكي اليمني، وأشاد بأدواره الوطنية التاريخية، وباسهاماته المتميزة في الحياة السياسية الوطنية، كما تناول العديد من قضايا الوضع الراهن في اليمن.

وفي السياق ذاته جاءت كلمة اللقاء المشترك التي تلاها الأخ/ عبدالسلام رزاز نيابة عن الأستاذ/ محمد الرباعي، وكلمة أنصار الله التي تلاها الأخ/ حمزة الحوثي عضو المجلس السياسي لأنصار الله، وكلمة التجمع اليمني للإصلاح، التي تلاها الأخ/ سعيد شمسان رئيس الدائرة السياسية للإصلاح، وكذا التهاني المرفوعة من التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري وحزب الحق، وحزب البعث، واتحاد القوى الشعبية.

إن الاشتراكيين والاشتراكيات يعبرون عن امتنانهم للمشاعر الطيبة التي فاضت بها كلمات وتهاني الأشقاء من شركاء الحياة السياسية اليمنية.

وفي ختام الجلسة الافتتاحية ألقى الدكتور/ ياسين سعيد نعمان الأمين العام للحزب كلمة سياسية هامة تناول فيها العديد من الرؤى والقضايا الوطنية الهامة، والتي أقر المجلس الحزبي اعتبارها وثيقة من وثائقه.

وفي عصر يوم الافتتاح واصل المجلس عقد جلسات العمل، التي بدأت بتقديم ملخصات للتقارير الموزعة على الأعضاء، والمتمثلة بالتقرير السياسي، والتقرير التنظيمي، وتقرير عن المركز المالي للحزب، وتقرير لجنة الرقابة والتفتيش المركزية، كما عرضت عدد من المداخلات المقدمة من قبل عدد من منظمات الحزب في المحافظات، التي ناقشت مضامين التقارير المقدمة إلى دورة المجلس بجدية وعمق، وتواصل تقديم مداخلات المنظمات صباح اليوم التالي، وإلى جانب ذلك استمع المجلس إلى مداخلات عدد من أعضائه من قياديي الحزب وكوادره الذين لم يكتفوا بمداخلات المنظمات أو حملت رؤاهم المختلفة وملاحظاتهم على التقارير، وعلى نشاط الحزب بصورة عامة في المجالات المختلفة السياسية والتنظيمية والإعلامية والفكرية.

لقد شكل المجلس لجنة لصياغة البيان الختامي والقرارات والتوصيات شاركت فيها كل منظمات الحزب في المحافظات بدون استثناء، والذي جرى إقراره في الجلسة الختامية صباح اليوم الثالث من أعمال المجلس، تتويجاً لجهود بناءة بذلها أعضاؤه، عبرت عن حرصهم على وحدة صفوف الحزب، وتطوير رؤاه السياسية والتنظيمية وتعزيز وتطوير آليات نشاط الحزب في المجالات المختلفة، بما يقوي ويوطد من دوره في المستقبل على كل المستويات.

لقد عبرت المداخلات والمناقشات المقدمة من المنظمات ومن الأعضاء عن الوعي العميق للاشتراكيين والاشتراكيات بقضايا وطنهم، وعن ارتباطهم الراسخ بأهداف الحزب، والتصميم على مواصلة مسيرته الكفاحية المجيدة، التي أثرى بها المسيرة الكفاحية التاريخية للشعب اليمني جنوباً وشمالاً، وقدم في سياقها تضحيات جمة من بين قياداته وأعضائه، ضارباً أنصع الأمثلة في التمسك بالقضايا الوطنية، وفي الانحياز الذي لا يساوم لمصالح الشعب، ولقيم الحرية والعدالة والمواطنة المتساوية ولبناء الدولة المدنية الحديثة، وتحقيق مهام التقدم والتنمية الشاملة، وبما يليق بمكانة الحزب وتاريخه النضالي.

وفي إطار المراجعة والتدقيق للمداخلات والمناقشات كافة التي شهدتها جلسات عمل دورة المجلس الحزبي الوطني الأول جرى التوصل على الاستخلاصات التالية:



على المستوى السياسي

يؤكد المجلس أن قوة الحزب الحقيقية تكمن في قدرته على الارتباط القوي بالواقع الذي يناضل فيه كحزب جماهيري غير مكتف بتحليل الواقع، وإنما فهم القضايا المطروحة والتفاعل معها، والعمل على إنجاز مهمات التغيير بأدوات سياسية واقتصادية وثقافية، وغيرها من الأدوات المعبرة عن النهج الديمقراطي التعددي، وتقديم خيارات برنامجية للجماهير، واقعية وجذابة تدفعها إلى خوض نضالات مستمرة من أجل تحقيق مصالحها وتطلعاتها في انتزاع حرياتها وتحقيق مهام التغيير والبناء والتقدم، وتحسين ظروف حياتها المادية والروحية، والبحث عن البؤر الثورية داخل المجتمع، والعمل داخلها باعتبارها المواقع التي تكمن فيها دوافع وممكنات التغيير، وبهذا الصدد نوه المجلس إلى القيمة العملية التي اكتسبتها التحالفات السياسية التي انخرط فيها الحزب خلال العقدين المنصرمين، ووصولها إلى إنجاز مهام وطنية رئيسة، استطاعت أن تبني تجربة فريدة للتعايش والتفاهم بين أطراف مرت بمراحل من الصراع العنيف والمرير، ونجحت في نهاية المطاف في إسقاط العديد من المصدات التي أقامتها أنظمة الاستبداد والغلبة الداخلية أمام عملية التغيير والتقدم.

ويرى المجلس أن عملية التغيير التي تسارعت خطاها بفعل انطلاق الحراك السلمي الجنوبي عام 2007، وقيام ثورة فبراير 2011 الشبابية السلمية قد أفضت إلى نشوء المرحلة الراهنة المتسمة بمجاهيل عديدة، خاصة فيما يتعلق بالبحث عن حلول لمشاكلها المتنوعة، حيث تتميز بكونها مرحلة انتقالية يفترض أن تؤسس لبناء الدولة المدنية الحديثة التي عبرت عن مضامينها مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وفي حين تزدحم هذه المرحلة بكل ما يعتور المراحل الانتقالية من أوضاع متحركة في كل الاتجاهات، فإنه قد صاحبها صدامات عديدة، بحث بعض القوى من خلالها عن فرص لتعزيز مواقعها في خارطة هذه المرحلة التأسيسية، بما انعكس عنها من تعقيدات على النشاط السياسي، وخاصة دفع المشروع السياسي نحو الانكفاء بتأثير الحروب وأعمال العنف، وما رافقها من شحن ثقافي يستنجد بالطائفية والمناطقية والهويات المفككة للنسيج الوطني كافة. وفي هذه الظروف غدا على القوى الحاملة للمشروع السياسي الديمقراطي أن تعمل بقوة أكبر من أجل استعادة المبادرة على قاعدة أن الصراع في هذا البلد هو في الأساس صراع سياسي واقتصادي واجتماعي، فلا وجه للصراع من منطلقات إيمانية إلا عندما يراد تحويله إلى فتنة وفساد في الأرض.

وفي سياق تحليله لمجرى التطورات السياسية الراهنة، التي شهدتها البلاد منذ انطلاق الثورة الشعبية في 2007 ممثلة بالحراك السلمي الجنوبي، وثورة الشباب الشعبية السلمية عام 2011 يرى المجلس الحزبي الوطني أن هناك ثلاث قضايا رئيسة يجب التوقف أمامها، والتفاعل معها بجدية وهي على النحو الآتي:

أولاً: التعثر الذي أصاب عملية انتقال السلطة باعتبارها حجر الزاوية في العملية السياسية، وأدى هذا التعثر إلى إضعاف فرصة التغيير جراء استمرار محاولات تعطيل عمل السلطة التوافقية وإفساد آليات عملها، وكذا إعاقة تنفيذ معظم المهام التي شملتها المرحلة الانتقالية، بما رافق ذلك من اختلالات أمنية وإدارية، وكذا المحاولات المستمرة لإحداث فوضى عامة جسدت إصرار بعض الأطراف على إفشال عملية انتقال السلطة لأسباب تتعلق برد الفعل تجاه ثورة فبراير، إما انتقاماً منها، أو استغلالاً لها.

ثانياً: وتتمثل في المنظومة السياسية بمكوناتها كافة، والتي أنيطت بها مهمة الاتفاق على صيغة وطنية سياسية وقانونية لبناء الدولة، غير أن الكثير منها جاء إلى مؤتمر الحوار الوطني محملاً بأثقال الماضي وجروحه واحتقاناته، وعلى الرغم من أن الحوار استطاع إلى حد كبير أن يطفئ كثيراً من أوار الرغبة في الثأر والانتقام من خلال التسويات السياسية والقانونية التي شملتها مخرجات الحوار، إلا أن كثيراً من الأطراف تعرضت لابتزاز الضغوط التي مارستها الأجنحة المتطرفة داخلها أو خارجها، والتي ظلت ترفض الحوار وتعمل على إفشاله لتمرير مشاريع الحرب والفوضى بالاغتيالات، وتفجير المواجهات المسلحة في أكثر من مكان، حيث استطاعت أن تفرض خيارات المواجهات المسلحة حتى بعد الاتفاق على تسوية قضايا الخلاف، وأدت هذه الظروف إلى نشوء حسابات خاطئة، وإلى رفض الضمانات الخاصة بكيفية التعاطي مع مخرجات الحوار الوطني، وبالتالي توفير المناخات المناسبة للعودة إلى مشروع الحرب، الذي استطاع بدوره أن يعيد صياغة المواقف والتحالفات على قاعدة الثارات والنوازع الانتقامية، الأمر الذي أربك المشهد السياسي، وأجهض روح الحوار، ومثل انتكاسة خطيرة للعملية السياسية، والأسوأ في كل ذلك أن البعض لجأ إلى الاستعانة بالخطاب الانقسامي لدعم مواقفه على الأرض، مستهيناً بما يمثل من مخاطر على النسيج الوطني، وفي حين أن المشكلة لا تكمن في وجود طوائف ومذاهب وأعراق أو ثقافات متباينة، وإنما تكمن في كيفية إدارة هذا التنوع وضمان مصالح الجميع على قاعدة المواطنة المتساوية. لقد غدا على القوى حاملة المشروع السياسي الوطني أن تذود عن المبادئ المنظمة للحياة والضامنة للمصالح المشروعة والمكرسة لاحترام التنوع من أجل استعادة الموقف من بناء الدولة التي تحمي كرامة وحريات الإنسان وتصون حقوقه، وتحفظ خصوصياته.

ثالثاً: وتتمثل في القضية الجنوبية كقضية محورية، لا يمكن معالجتها بدون الانطلاق من الطبيعة الخاصة بها، كقضية سياسية بامتياز، تمثل محور بناء الدولة، حيث ينبغي أن لا يخضع حلها للمساومات السياسية التكتيكية، أو إلى المراوغات كتلك التي تمثلت في اللجوء إلى تقسيم الجنوب إلى إقليم شرقي وإقليم غربي، بدلاً من النظر إليه كوحدة متكاملة في المعادلة الوطنية لبناء الدولة الاتحادية الديمقراطية. وبهذا الصدد ثمن المجلس رؤية الحزب الاشتراكي اليمني لحل القضية الجنوبية على أساس دولة اتحادية من إقليمين مقدماً المبررات السياسية والتاريخية لذلك، وجدد المجلس تمسك الحزب بهذا الخيار كأساس لمعالجة الوضع الناشئ عن هدم الوحدة السلمية بالحرب، داعياً القوى التي تزعم أنها تحمي الوحدة إلى الكف عن تعاليها على الواقع الذي أنتجته سياساتها الخاطئة في الجنوب منذ حرب صيف عام 94، ونزعتها الإرادوية المنبعثة من الشعور بتضخم القوة في مواجهة الاستحقاقات الفعلية لنجاح الحوار، وعدم جديتها في البحث عن حل للقضية الجنوبية يستلهم خيارات الشعب في الجنوب ويحترم التضحيات الجسيمة التي قدمها منذ نهاية حرب 94 لإسماع صوته مطالباً بحل عادل لقضيته. إن الهروب من تقديم حل حقيقي للقضية بالمراوغة أدى إلى تعقدها أكثر فأكثر، وخلق حالة يأس وسط الناس من امكانية إيجاد شروط موضوعية من داخل المعادلة الوطنية للحل العادل الذي يردده الجميع، الأمر الذي حدا بالبعض على إعادة طرح مشاريع الهوية القديمة نكاية بالمعادلة الوطنية ليؤكد فشلها في إيجاد الحل العادل من داخلها، ويزداد الأمر سوءاً في ظل تسارع إعادة إنتاج مشاريع الهوية المنكرة ليمنية الجنوب واقتحامها لمسار حل القضية الجنوبية وإدخال المشهد في حالة أكثر إرباكاً، مستفيداً من هذا التلكؤ الذي أخذ يفقد المعادلة الوطنية ديناميتها في إنتاج الحل العادل الذي يرضي الشعب في الجنوب ويحافظ على هويته اليمنية، ويراعي حقه المشروع في تقرير خياراته السياسية، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الجنوب يتعرض هو الآخر لرفض هويته من قبل هويات أخرى من داخله ترفض الجميع، ويؤكد المجلس أن المعادلة الوطنية والهوية اليمنية هما المؤهلتان موضوعياً لإيجاد حل عادل للقضية الجنوبية، يضمن بقاء الجنوب موحداً ومحمياً من التفكك.. إن الهويات لم تكن هي أساس مشكلة اليمن حتى نبحث عن الحل في ثناياها، وبالتالي فإن الكيفية التي توظف فيها الهويات في اللحظة الراهنة تجعلها متصادمة مع الحقائق التاريخية في مواضع تتصل بالجغرافيا السياسية والمصالح الاستراتيجية للشعب، فيغدو استحضارها جزءاً من حالة انقسامية في الجنوب، ويجر قضيته بعيداً عن مضامينها السياسية إلى صراع هويات توفر ذرائع لنزعات عصبوية ستصبح أشد خطورة على القضية الجنوبية من أية تحديات أخرى.

ويؤكد المجلس الحزبي الوطني على أهمية التعاطي المسؤول مع القضية الجنوبية والتوقف أمام خيارات الشعب في الجنوب، واحترام حقه في التنوع وبما يبقيه موحداً ليبقى طرفاً في معادلة الدولة الاتحادية المكونة من إقليمين، مع احترام حقه في تقرير مصيره، تقرير خياراته السياسية المشروعة، وبهذا الصدد يدعو المجلس النخب السياسية في الجنوب إلى الاتفاق على قواسم مشتركة دون أية غطرسة أو مخاتلة من قبل أي طرف يفرض خياره على الآخرين كخيار وحيد، كما يدعوها إلى إنتاج روابط وثيقة بالعملية السياسية دون تحفظ من منطلق أن هذه العملية تعني القضية الجنوبية، وفي سياقها فقط يمكن حل القضية الجنوبية حلاً عادلاً وفقاً لخيارات الشعب في الجنوب.

رابعاً: يرى المجلس الحزبي الوطني إن استقرار اليمن وانتشاله من أزمته وإخراجه من حالة الفوضى والتخلف والركود والسير به نحو آفاق التطور والتقدم والديمقراطية والتحديث، كان ولا يزال مرهوناً بنجاح العملية السياسية في استكمال النقل السلمي للسلطة، ووضع حد للعنف والحروب الداخلية، والأنشطة الإرهابية، وتجفيف منابعها وحواضنها الشعبية، وإخراج السلاح من المعادلة السياسية، وحل القضايا الوطنية الكبرى وفي المقدمة منها القضية الجنوبية، حلا عادلا، يحقق الشراكة الندية والمتساوية للجنوب في الدولة المدنية الاتحادية، وإزالة آثار حرب صيف 94م الظالمة، وتصفية آثار حروب صعدة، وإعادة إعمار ما خربته الحروب والصراعات السياسية العنيفة السابقة، ومعالجة تبعات وآثار حروب المناطق الوسطى، ومظالم وانتهاكات القضية التهامية، وقضايا العنف والقمع في الجنوب، بما في ذلك الأحداث التدميرية التي لحقت بمحافظة أبين، وأحداث 21 فبراير الدموية في عدن، والأحداث الدموية في مدينة الضالع، وانتهاكات احداث الثورة الشبابية الشعبية السلمية 2011م، وغيرها من الانتهاكات وأعمال القمع وجرائم الاخفاء القسري، والعمل على إنصاف ضحاياها، تنفيذ المضامين العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية الشاملة، كمهام مفتاحية انتقالية عاجلة، على طريق بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، دولة اتحادية – لا مركزية، تكرس العدالة الاجتماعية، والشراكة الشعبية الواسعة في صناعة القرار، والقادرة على حماية الحقوق والحريات، وتأمين الانتقال السلمي الى الديمقراطية، والنهوض بمشروع تنموي شامل ينقل اليمن الى مصاف البلدان المتقدمة، ويحقق حياة معيشية حرة وكريمة لجميع المواطنين.

خامساً: يشدد المجلس الحزبي الوطني على ضرورة إعطاء الأولوية في المعالجات العاجلة للقضايا ذات الطابع الإنساني المتعلقة بضحايا الثورات اليمنية، ودورات الصراعات والعنف السابقة، وضحايا ثورة التغيير السلمية والحراك السلمي الجنوبي في مختلف مناطق الصراع في البلاد، وإيلاء عناية خاصة لأسر الشهداء والجرحى والمفقودين والمخفيين قسرياً، وتسوية استحقاقاتهم المالية والمعيشية على المستوى الوطني دون تمييز، ومعالجة أوضاع المتضررين جراء الصراعات السياسية في مختلف مناطق اليمن دون استثناء، وإعادة المبعدين إلى أعمالهم – مدنيين وعسكريين، وتسوية أوضاع المقصيين منذ ما قبل الوحدة 1990م، وإعادة جميع المفصولين والمقاعدين تعسفيا بفعل حرب صيف 94م الى أعمالهم، وتسوية أوضاعهم الوظيفية، وصرف مستحقاتهم المالية بأثر رجعي وبأسرع وقت ممكن دون مماطلة أو تسويف، ووضع النقاط العشرين والإحدى عشر بشأن الجنوب وصعدة التي تعرضت للتلكؤ والتسويف حتى الآن موضع التنفيذ.

سادسا :-يدين المجلس الحزبي الوطني أعمال القمع والعنف والاغتيالات السياسية المتواصلة، التي تورطت فيها قوى العنف والإرهاب، والسلطات العسكرية والأمنية، كان آخرها الأحداث الدامية والتفجيرات الإرهابية البشعة يوم أمس في مدينة رداع، واغتيال الناشط في الحراك الجنوبي السلمي المهندس الشهيد/ خالد الجنيدي في مدينة عدن، كما يدين مخطط الاغتيال الذي إستهدف الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني الدكتور/ ياسين سعيد نعمان، ويستنكر حملات التهديد التي يتعرض لها كل من د.محمد المخلافي، ود.محمد صالح علي، من قبل تيار صالح في المؤتمر الشعبي العام، على خلفية الموقف من العدالة الانتقالية واسترداد الأموال المنهوبة، وكشف مخطط الاغتيال.

سابعاً: يحيي المجلس الحزبي الوطني الإعتصامات السلمية المتواصلة للحراك السلمي الجنوبي في ساحات الاعتصام المفتوحة في عدن والمكلا، حتى تحقيق أهدافها ومطالبها المشروعة والعادلة، كما يحيي بإجلال تضحيات شهداء الحراك السلمي، بدءاً من الشهيدين باهمام وبارجاش عام 97م في حضرموت، وإنتهاءً بالمهندس الشهيد/ خالد الجنيدي يوم أمس الأول في مدينة عدن.

ثامناً: يرى المجلس الحزبي الوطني في مخرجات الحوار الوطني الشامل - مخرجات وطنية توافقية، ينبغي الإسراع في استكمال صياغتها إلى موجهات دستورية وقانونية وموجهات سياسية عامة، تنتظم في إطار دستوري عصري، يعكس بدقة مضامين تلك المخرجات دون زيادة أو نقصان، ليغدو بعد الاستفتاء الشعبي عليه ملزماً للجميع، وستصاغ وفقاً له الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتنتظم الحقوق والحريات العامة، وتبنى على أساسه سلطات الدولة القادمة (التشريعية والتنفيذية والقضائية) ومؤسساتها وأجهزتها الحكومية – الاتحادية والإقليمية، والمحلية المختلفة. وستغدو الأحزاب السياسية من مواقعها المختلفة معنية – في إطار الشراكة الوطنية – خلال المرحلة التأسيسية بتنفيذ تلك المخرجات، والالتزام بمضامينها القانونية والدستورية النافذة.

وفي هذا السياق سيعمل الحزب الاشتراكي اليمني على تحويل تلك التوجهات والمضامين الديمقراطية التحديثية في مخرجات الحوار الوطني، التي ظلت في مقدمة القضايا التي تبناها حزبنا، الى مهام نضالية، كجزء لا يتجزأ من برنامجه النضالي للمرحلة القادمة. ومع ذلك سيظل متحفظا على الطريقة التي عولجت بها القضية الجنوبية وخاصة ما يتعلق بالأقاليم، من منطلق تعارض ذلك الحل مع ما ورد في وثيقة الحل العادل للقضية الجنوبية المقرة في مؤتمر الحوار، وسيظل يتمسك بموقفه في خيار الإقليمين. كما ان الإصرار على تطبيق قانون العدالة الانتقالية بدأ من سبتمبر 1962م ونوفمبر 1967م إنما يخالف ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر الحوار، الذي أكد على عدم تحديد التاريخ على ذلك النحو الذي يحمل في طياته دلالات إدانة للثورة اليمنية، وتبرئة العهود السابقة التي قامت عليها الثورة.

تاسعاً: يرى المجلس الحزبي الوطني بأن أية عملية تحليلية تقييمية عاجلة لحصيلة ما تم تنفيذه منذ ثلاث سنوات حتى اليوم في سياق عملية التغيير والنقل السلمي للسلطة وفقا للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني وأخيراً اتفاق السلم والشراكة الوطنية. تكشف بما لا يدع مجالا للشك تواضع ما تم انجازه, والبطء الشديد في عملية التغيير والنقل السلمي للسلطة، أوفي تنفيذ مخرجات الحوار الوطني والتأخير في تنفيذ المهام المزمنة في الآجال المحددة لها, أوفي معالجة القضايا الوطنية الساخنة والمتفاقمة، أو نقاط التهيئة المقررة لها. الأمر الذي راكم الاحتقانات والمصاعب السياسية، المنعكسة سلباً على الأزمة الاقتصادية المتفاقمة, التي ضاعفتها أعمال التخريب، وممارسة الفساد والنهب المتواصل للموارد المتاحة، إلى جانب أعمال العنف والقتل والاختلالات الأمنية والعسكرية، والحروب الأهلية، التي تشعلها القوى المعيقة للتسوية السياسية، والمناهضة لعملية التغيير من مواقعها المختلفة في أجهزة الدولة وخارجها, والتي لم تواجه بأية إجراءات عقابية، واستطاعت الإفلات من العقاب مراراً وتكراراً، في ظل حالة الضعف التي تشهدها أجهزة الدولة - القضائية منها والأمنية، والوضع الانشقاقي في المؤسسة العسكرية، مترافقة مع بطء آليات الدعم والمساندة الفاعلة من المجتمع الإقليمي والدولي , وتمهله اللامحدود في اتخاذ القرارات الضرورية، للحيلولة دون عرقلة التسوية السياسية, أو إعاقتها, ومحاولة الانقلاب عليها.

عاشراً: يؤكد المجلس الحزبي الوطني على ضرورة التقييم النقدي الموضوعي لتجربة اللقاء المشترك خلال الفترة المنصرمة، والاستفادة منها في إعادة صياغة سياسة التحالفات والشراكات الوطنية، كضرورة ملحة لمواكبة المستجدات الراهنة, وتلبية استحقاقات المرحلة الانتقالية التأسيسية القادمة، وعلى اللجنة المركزية والهيئات القيادية للحزب أن تعمل على تعزيز وتطوير التحالفات الثنائية والجمعية مع القوى السياسية الوطنية وقوى اليسار, وتفعيل النشاطات المشتركة، والارتقاء بتحالفاتها وتمتينها، وإدارة حوارات ثنائية جادة للتوافق على صيغة مشتركة، لتوحيد جهود ومكونات قوى التغيير والقوى الوطنية الديمقراطية والمدنية، التي شاركت في مؤتمر الحوار، أو تلك التي لم تشارك فيه، من القوى الاجتماعية والأحزاب السياسية والشخصيات المستقلة، التي تلتقي على قاعدة الأهداف والمهام البرامجية الانتقالية - الوطنية الديمقراطية الكبرى, المتضمنة في مخرجات الحوار الوطني, والتي تؤسس لشراكة وطنية واسعة في إطار ائتلافات وتحالفات كبرى, قادرة على النهوض بمهام بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة, والانتقال الآمن إلى الديمقراطية.

حادي عشر: يستنكر المجلس الحزبي الوطني بشدة مسلسل المحاولات المحمومة المستهدفة تقويض الإجماع الوطني على مخرجات الحوار الوطني، والالتفاف عليها من بوابة الانقلاب على مخرجات فريق العدالة الانتقالية كإحدى أهم القضايا الحيوية في مخرجات الحوار الوطني، والتي باتت اليوم أكثر شراسة، مع تعاظم ضغوط استحقاقات التنفيذ، كانت أحدث حلقاته ما سمي بفعالية (مؤتمر بروكسيل) المشبوهة، وحاليا مشروع ما سمي بالمصالحة الوطنية الذي جير له مجلس النواب، عبر تشكيل لجنه برلمانية خاصة من رؤساء الكتل، سميت بـ(لجنة الوفاق الوطني)، التي انسحب منها ممثل كتلة الاشتراكي البرلمانية وعدد من ممثلي الكتل الأخرى، بعد تبين توجهاتها الملتبسة، في ظل صمت غير مفهوم للسلطات المعنية بحماية مخرجات الحوار، في مشهد بالغ الخطورة يستهدف تصفية كل ما يتعلق بحقوق ضحايا الانتهاكات والصراعات العنيفة والإخفاء القسري والحروب الدموية... الخ، وحقهم المشروع في العدالة الانتقالية في "كشف الحقيقة، واخذ العبرة، ومعالجة آثار الانتهاكات، والاعتذار، ورد الاعتبار للضحايا، وجبر ضررهم، والبناء المؤسسي، وتخليد الأحداث في الذاكرة الوطنية، وبما يضمن عدم تكراراها، وإغلاق جميع ملفات الصراعات السابقة" كأسس حقيقية متينة لمصالحة وطنية تاريخية وشاملة، ومنظومة متكاملة غير قابلة للانتقائية أو الانتقاص، للاستعاضة عنها بمصالحة شكلية بين فرقاء الصراع السياسي، تكفل للمتورطين في انتهاكات سابقة الإفلات من المساءلة على غرار تجارب المصالحات السابقة التي ثبت فشلها مراراً وتكراراً.

وفي هذا الصدد يشدد المجلس الحزبي الوطني على ضرورة التزام السلطة وجميع القوى والأحزاب السياسية بتعهداتهم إزاء مخرجات الحوار، ويدعو في الوقت ذاته الهيئة الوطنية للرقابة على مخرجات الحوار الوطني والأخ رئيس الجمهورية رئيس الهيئة إلى ضمان حماية مخرجات الحوار الوطني، ومنع العبث بها أو الالتفاف عليها، ووضعها موضع التنفيذ على طريق بناء أسس الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، الضامنة للحقوق والحريات والمحققة لتطلعات اليمنيين في حياة حرة آمنة وكريمة.

ثاني عشر :-يؤكد المجلس الحزبي الوطني على أهمية الدور الريادي والنهضوي المتميز للمرأة والشباب والطلاب في صناعة التغيير، ويدعو إلى تمكينهم من مواقعهم الطبيعية في عملية التغيير والبناء والتحديث, وفي مختلف أجهزة الدولة، وأثناء الانتخابات، وبنسب لا تقل عن 30% للمرأة و20% للشباب، ليس لكونهم الشريحة الأكبر في المجتمع فحسب, بل لأنهم الكتلة المتجددة، القادرة على النهوض بمهام بناء مؤسسات الدولة المدنية الحديثة, فهم الكتلة البشرية الأكثر حماسا والأكثر ثورية والأكثر تضحية في سبيل نجاح الثورة، والانتصار لكامل أهدافها, إنهم القوة البشرية الأجدر والأكثر إخلاصا وتصميما على إنجاز مشروعهم السياسي- الوطني، الذي ثاروا من أجله, وساهموا في رسم ملامحه المستقبلية في مؤتمر الحوار الوطني, وسيسهرون على ضمان إنجاز تنفيذه على أرض الواقع.

وفي هذا السياق، يقدر المجلس الحزبي الوطني عالياً الدور الريادي والفاعل، الذي سجله شباب الحزب (ذكور وإناث) في عملية التغيير والثورة وفي مؤتمر الحوار الوطني الشامل، ويدعو إلى فتح بوابات الحزب لعملية تجديد واسعة, بالدماء الثورية الشابة, وبتلك القيادات السياسية التي اعتركتها الحياة في ساحات وميادين الحراك السلمي والفعل الثوري, والتي يجب أن تأخذ مواقعها الطبيعية, في كل الهيئات القيادية للحزب من القاعدة إلى القمة, بدءاً باللجنة المركزية والهيئات القيادية العليا للحزب، وبنسبة لا تقل عن 30% للمرأة والشباب، والتي تمثل حوالي 70% من نسبة التجديد في الهيئات القيادية المقرة في الدورة العاشرة للجنة المركزية، والتي ستشكل - ولا شك في ذلك - قيمة نوعية مضافة في حياة الحزب ودوره القيادي وأنشطته المستقبلية.

وفي ذات السياق يكلف المجلس الحزبي الوطني اللجنة المركزية بإنشاء دائرة خاصة بالشباب والطلاب في الأمانة العامة، والعناية بقضايا التدريب والتأهيل وبرامج التوعية والتثقيف والتنظيم للشباب، ويدعو اللجنة المركزية الى استكمال إجراءات الإعداد والتحضير لتشكيل المنظمة الشبابية – اتحاد الشباب الاشتراكي خلال موعد زمني لا يتجاوز موعد انعقاد المؤتمر العام السادس للحزب، أو بالتزامن معه.

ثالث عشر: يرى المجلس الحزبي الوطني في الحراك النشط لمكونات المجتمع المدني الذي شهدته السنوات المنصرمة وظل وما يزال في بعض مظاهره قائماً حتى اليوم, مؤشر بالغ الأهمية على تنامي تأثير هذه المكونات وفاعليتها في المجتمع, وانتقال مركز الثقل الرئيسي في حركة النضال السلمي الديمقراطي إليها، ولاسيما في مجالات النشاط المرتبطة بالحقوق والحريات العامة, الأمر الذي يفرض على حزبنا في المركز والمحافظات التعاطي إيجاباً مع منظمات المجتمع المدني وتقويتها وتحويلها إلى أداة فاعلة بيد المجتمع في إطار الشراكة الوطنية الواسعة لإنجاز مهام التحديث وبناء مقومات المجتمع المدني وأسس الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة والعادلة.

وفي هذا السياق يشدد المجلس على ضرورة استعادة مكانة الحركة النقابية وتفعيل دورها في المرحلة المقبلة, باعتبار العمال والفلاحين والحرفيين والمهنيين وكل المنخرطين في الأنشطة المشروعة للإنتاج المادي والروحي عنصراً رئيساً في قوام القاعدة الاجتماعية التي يستند إليها الحزب, وتستهدفها برامجه وتوجهاته العامة, وعلى منظمات الحزب في المحافظات ولا سيما تلك التي تشكل هذه القوى جزء من تركيبتها الاجتماعية تقع مسؤولية النهوض بهذه المهمة في إطار برامج عملها خلال المرحلة المقبلة.

رابع عشر: يؤكد المجلس الحزبي الوطني على أن مقومات النهوض الاقتصادي للمرحلة القادمة تستدعي العمل على إرساء أسس بنية اقتصادية إنتاجية، بكفاءة أداء عالية وتنافسية فعالة، تهيئان الاقتصاد الوطني لأن يغدو مسرعاً ومحفزاً قوياً لعملية الانقاذ الوطني والتحول الديمقراطي، بالإنتاج الدائم والوافر للموارد المادية اللازمة لتكريس العدالة الاجتماعية بمضمونها الذي يكفل توزيعاً عادلاً للثروة والسلطة، بدءاً بخلق كافة شروط الحياة الكريمة والآمنة والمستقرة للفئات الأضعف في المجتمع من فلاحين وعمال وجنود وصيادين وصغار تجار ومهمشين وذوي الاحتياجات خاصة وغيرهم، وانتهاء بضمان الاحتياجات والحقوق الأساسية لفئات المجتمع كافة على قدم المساواة، وعلى الدولة تحمل المسؤولية الكاملة في التوفيق بين الأعباء التي يمكن أن يخلقها اقتصاد السوق وحرية النشاط الاقتصادي وبين متطلبات العدالة الاجتماعية، بحيث تتحول الدولة إلى ضامن فعلي لتحقيق النهوض والازدهار الاقتصادي من ناحية، وحماية الغالبية العظمى من فئات المجتمع الضعيفة من ناحية أخرى، ولأن تغدو سياسة إعادة التوزيع الحكومية لموارد الدولة وسيلة مباشرة وفعالة لتخفيف التناقضات الاجتماعية وتحقيق العدالة الاجتماعية.

وفي ذات السياق تقتضي الأوضاع الاستثنائية في الجنوب، تبني برنامج تنموي استثنائي لإعادة تعمير وإنعاش الجنوب، تخصص له موارد عاجلة وكافية من دعم المانحين وغيره، ينفذ خلال 3-5 سنوات، وبحيث لا تقتصر أهدافه على تعويض ما كان ينبغي تنفيذه من مشاريع مبكرة لتسريع وتسهيل عملية تقارب وتكافؤ الظروف الاقتصادية والاجتماعية للجنوب مع الشمال عقب الوحدة مباشرة، بل تتعدى ذلك صوب معالجة كافة الأضرار الناجمة عن الممارسات الهمجية التي طالت مؤسسات وأراضي الدولة وطالت حياة وكرامة أبناء الجنوب عامة منذ حرب 1994، وأودت بكل ما كفلته لهم الدولة من ضمانات المواطنة المتساوية والعيش الكريم والآمن.

خامس عشر: يدعو المجلس الحزبي الوطني الحكومة الحالية إلى إثبات جدارتها في المهام الوطنية، التي تصدرت لها في هذه اللحظة التاريخية العصيبة، التي تمر بها بلادنا، بدءاً بتجسيد المهام والأهداف والأولويات المحددة لها في اتفاق السلم والشراكة الوطنية، ومخرجات الحوار الوطني، في برنامجها العام، بما في ذلك مكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة ومحاربة الإرهاب، وجرائم القتل والاغتيالات السياسية، وأعمال العنف والتخريب، ومعاقبة مرتكبيها، والحيلولة دون إفلات المجرمين من العقاب، كأولويات قصوى لتهيئة البيئة الأمنة للانتخابات والانتقال السلس الى الديمقراطية. فرغم التفاؤل الشعبي الحذر إزاء هذه الحكومة، سيظل تحسين مستوى الأمن العام والخدمات العامة، ورفع مستوى الأجور والمرتبات، وتحسين معيشة المواطنين وفي مقدمة كل ذلك حماية حياة ومصالح المواطنين مدنيين وعسكريين، ومعاقبة القتلة والمتورطين في جرائم العنف والارهاب والاغتيالات السياسية، ومخربي أبراج الكهرباء وأنابيب النفط، مقياساً حقيقياً لمستوى نجاحها أو فشلها في نهاية المطاف.

سادس عشر: يرى المجلس الحزبي الوطني بأن أكثر التحديات تعقيدا على الإطلاق أمام ما تبقى من المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية, وتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل, واتفاق السلم والشراكة الوطنية, تتمثل في عملية التنفيذ الفعلي لمضامين كل ما تم التوافق عليه من أهداف ومهام وتوجهات دستورية وقانونية, وحمايتها من الانتكاس, ولا سيما مع بقاء آليات وأدوات الفعل الحكومية محتكرة - في الغالب - من قبل رموز النظام السابق، المناهضة لعملية التغيير والمتغولة في الأجهزة العسكرية والمدنية - المركزية منها والمحلية, والمهيمنة على السلطتين التشريعية والقضائية، يغدو معها الحديث عن أية ضمانات تنفيذية لما تم التوافق عليه مجرد تمنيات، فما لم تكن هذه الضمانات مسنودة بإرادة وطنية واقليمية ودولية حقيقية وفاعلة في رعاية تنفيذ مخرجات الحوار الوطني خلال فترة تأسيسية محددة بمهام مزمنة، تكفل استكمال تنفيذ مهام التغيير والنقل السلمي للسلطة، وبناء أسس الدولة الاتحادية المدنية الديمقراطية الحديثة، القادرة على صد أي نزوع أو طغيان سلطوي ,وحماية الحقوق والحريات العامة، وتأمين عملية الانتقال الى الديمقراطية، سيغدو كل ما تم انجازه من مخرجات توافقية، رهناً بالمجهول.



على المستوى الحزبي الداخلي

أولاً: يشدد المجلس الحزبي الوطني على ضرورة التجديد والتحديث للأهداف والمهام والسياسات البرنامجية النضالية في برنامج الحزب، وفقاً للمتغيرات المستجدة على الساحة السياسية والوطنية، وعملية التحول في النشاط السياسي للحزب من موقع المعارضة إلى موقع الشراكة في العملية السياسية، مع تقادم بعض المهام المنصوص عليها في البرنامج، وبروز مهام أخرى جديدة ومستحدثة، ويكلف اللجنة المركزية بالعمل على إدارة حوارات واسعة داخل الحزب تؤسس لعملية تجديد وتحديث للأهداف والمهام النضالية البرنامجية للحزب للمرحلة المقبلة، تقدم نتائجها الى المؤتمر العام السادس للحزب.

ثانياً: يرى المجلس الحزبي الوطني إن الأهداف والمهام والتوجهات العامة لمخرجات الحوار الوطني الشامل، تؤسس لمرحلة تحول تاريخية جديدة مختلفة كلياً عن سابقاتها، تستدعي بالضرورة امتلاك الحزب لرؤية استراتيجية نضالية واضحة ومحددة المعالم لمرحلة تاريخية متوسطة المدى على أقل تقدير، وفي هذا الصدد يكلف المجلس اللجنة المركزية بالعمل على صياغة رؤية استراتيجية للحزب، كإطار مرجعي استرشادي، يغطي مرحلة تاريخية كاملة تستوعب مهام المرحلة الانتقالية من ناحية، ومهام بناء الدولة المدنية الاتحادية الديمقراطية الحديثة والعادلة من ناحية أخرى.

ثالثاً: يؤكد المجلس الحزبي الوطني على إن قدرة الحزب على المضي قدما الى الأمام في انجاز مهمات البناء النوعية المناطة به كقوة للتغيير والتحديث، يراهن عليها الشعب اليمني خلال المرحلة المقبلة، قد باتت مرتهنة بتحرير تلك الطاقات والقدرات الكامنة أو المعطلة داخل الحزب، وذلك من خلال اطلاق عملية اصلاح شامل للتصدعات ومواطن النقص والقصور في البنية الهيكلية التنظيمية والادارية والمالية والقيادية للحزب، ومنح فرصة كبيرة للشباب للإسهام في قيادته، وإعادة تموضع وتوازن المهام ذات الطبيعة التشريعية والرقابية (القضائية) والتنفيذية للحزب على مستوى المركز والمحافظات، وتفعيل أدائها، بما يمكن الحزب من امتلاك مقومات آلية عمل ديناميكية متجددة، تشمل بنية الحزب الهيكلية كاملة من القاعدة الى القمة، قادرة على تجاوز محددات القصور الذاتي التي يعانيها الحزب، عبر تفعيل آليات العمل المؤسسي، وإشاعة الممارسة الديمقراطية العاملة، وتدوير المناصب القيادية بشكل دوري داخل الحزب وعلى وجه الخصوص في هيئاته القيادية بدء من المديريات والمحافظات وانتهاء بالأمانة العامة للحزب، بما يكفل تحفيز نشاط الحزب وانتظامه وتكامله على الصعيدين السياسي والتنظيمي معاً، وعلى مختلف المستويات، وفي كافة المواقع القيادية.

رابعاً: يشدد المجلس الحزبي الوطني على ان بقاء الحزب الاشتراكي اليمني برسالته الثقافية والإعلامية – لاعباً ثانوياً في المشهد الثقافي والإعلامي الراهن، أمر لم يعد مقبولا اليوم. ويكلف في هذا الصدد اللجنة المركزية بإنشاء مؤسسة اعلامية متكاملة (قناة فضائية، محطة إذاعية، صحيفة يومية، مجلة فصلية، مواقع الكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي) تنهض بنشر الثقافة التنويرية التحديثية، وتوصل رسالة الحزب السياسية الثقافية والإعلامية، بيسر وسهولة الى عموم المواطنين.

فمن حق الشعب الحصول على ذلك الجزء الحداثي التنويري - المغيب في المشهد الثقافي والإعلامي الراهن، ومن حقه الوصول الى الرسالة الإعلامية والسياسية والثقافية اللاتقليدية المغيبة، وعلى الحزب تقع مسؤولية تحقيق ذلك من موقعه في صدارة قوى التغيير والتحديث، في ظل تعدد وتنوع الوسائل الإعلامية القادرة على تغطية جل المناطق السكنية، وبكلفة لم تعد باهظة.

لقد أصبحت القوى التقليدية الطفيلية النافذة، من قوى الفساد والاستبداد بتوجهاتها السياسية ومصالحها الاقتصادية الضيقة، حاضرة بأشكال مختلفة في رسم المشهد الثقافي والإعلامي المشوه الراهن، الغائب الأبرز فيه مصالح الغالبية العظمى من المواطنين، التي تتماهى بوضوح في مفردات المشروع الوطني الديمقراطي الحداثي السلمي – المغيب الى حين- الذي بات مناط رجائهم في بناء المستقبل الاجمل والاروع الذي طالما حلموا به.

خامساً: يؤكد المجلس الحزبي الوطني على أن أكثر التحديات الحقيقية المنتصبة أمام الحزب خلال الفترة المقبلة متمثلة بالانتخابات التي ستفرض نفسها كأحد أهم استحقاقات المرحلة القادمة ,ويكلف اللجنة المركزية إيلاؤها الأولوية ضمن اهتمامات ومهام الحزب المستقبلية ,عبر تطوير وتحديث آليات عمل الحزب، وتنشيط وتفعيل الإدارة الانتخابية في الأمانة العامة والمحافظات والمديريات، بما يواكب المتغيرات الإدارية والفنية - الانتخابية الجديدة، والعمل من الآن وفقاً لاستراتيجية عمل انتخابية توفر قاعدة بيانات ومعلومات وإحصائيات متكاملة للحزب, وتوثيق كل ماله صلة بالانتخابات من سجلات ونتائج انتخابية الكترونية وقوانين وتقارير وإرشادات... الخ، مترافقة مع بناء القدرات المادية - الفنية والبشرية الخاصة بالحزب ,والعمل على إنجاز خطة تدريبية وتأهيلية للكادر الحزبي الانتخابي من الشباب والشابات في مختلف المحافظات والدوائر الانتخابية بالمراكز التدريبية, وبالاستفادة من البرامج التدريبية التي تنفذها المعاهد والمؤسسات الدولية العاملة في بلادنا.

سادساً: يعتبر المجلس الحزبي الوطني غياب الحوار الداخلي في الحزب خلال الفترة المنصرمة أحد أهم جوانب الضعف في عمل الهيئات القيادية للحزب، تظافر ذلك مع غياب الهيئات الاستشارية للحزب (المجلس الاستشاري، مركز الدراسات والبحوث)، الامر الذي لم يعد مقبولا اليوم، ويدعو في هذا الصدد اللجنة المركزية والهيئات القيادية العليا للحزب الى تشكيل مثل هذه الهيئات الاستشارية، بهدف توسيع قاعدة المشاركة في الرأي، والاستفادة من الكفاءات والقدرات والخبرات المتاحة في الحزب، ومساعدة الهيئات القيادية في إدارة حوارات واسعة ومثمرة حول القضايا المثيرة للخلاف، ودراستها وتقديم الرؤى والتصورات الناجعة بصددها، ودراسة تلك القضايا والمشكلات التي تنتجها المتغيرات المستجدة في الواقع اليمني والاقليمي والدولي ذات الاهمية، وتقديم الدراسات والبحوث في المجالات التنظيمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها من الرؤى والتصورات الاستشرافية المستقبلية الى الهيئات القيادية للحزب، لمساعدتها في صياغة رؤاها السياسية الواقعية، وعند اتخاذ القرار بصددها، الى جانب المهام العامة الاخرى التي تنهض بها تلك الهيئات الاستشارية.

سابعاً: يرى المجلس الحزبي الوطني في الحزب الاشتراكي اليمني حزب وطني عريق، ذو توجهات فكرية وسياسية مستقلة وواضحة، وصاحب مشروع حداثي ديمقراطي، كان وما يزال عصي عن أية تأثيرات استقطابية خارجية ضيقة. إلا أنه بحاجة اليوم – ومن موقع المسؤولية الوطنية - إلى توطيد علاقاته الثنائية والجمعية مع الشركاء السياسيين الإقليميين والدوليين خلال المرحلة الانتقالية التي تمر بها بلادنا، ويدعو في هذا الصدد الى تصويب وتوطيد علاقات اليمن مع المحيط العربي – الإقليمي والإسلامي والدولي على أساس المصالح المتبادلة، وعلى قاعدة التكافؤ واحترام السيادة والاستقلال الوطني، إلى جانب توطيد وتوسيع العلاقات الثنائية بين حزبنا وأحزاب اليسار والاشتراكية الدولية، والأحزاب الديمقراطية وقوى السلم في العالم على أساس من التعاضد والنضال المشترك من أجل الانتصار للقضايا العادلة للشعوب، وفي المقدمة منها القضية الفلسطينية ومناهضة العنف والإرهاب، ومناصرة قضايا الحقوق والحريات، ومبادئ العدالة والديمقراطية والسلام العالمي.

ثامناً: يدين المجلس الحزبي الوطني للحزب الاشتراكي اليمني الممارسات العدوانية المتكررة للكيان الاسرائيلي ضد الشعب العربي الفلسطيني، والمقدسات الإسلامية في القدس الشريف، ويعلن تضامنه اللامحدود مع ضحايا تلك الإنتهاكات، ويشيد في ذات الوقت بالصمود البطولي لأبناء الشعب الفلسطيني في نضالهم في الخندق الأمامي لمعركة الأمن القومي العربي المتقدمة، ويدعو في ذات الوقت الشعوب والدول العربية الى تقديم الدعم لنصرة القضية الفلسطينية القومية العادلة، ويشيد في هذا الصدد بالمواقف التضامنية الشجاعة والمتصاعدة للشعوب والدول والبرلمانات الدولية المعترفة بدولة فلسطين، وحقها في الانعتاق من الاحتلال.



الجانب التنظيمي

أولاً: من أجل استكمال مأسسة الحزب وتحقيق صيغ مقبولة للتوافق الوطني على الصعيد القيادي، وترسيخ العمل المؤسسي من خلال قيام الهيئات واللجان المختلفة بمهامها وفقاً لاختصاصاتها بحسب مواد النظام الداخلي، بالعمل بهذا الصدد على قاعدة الاستقلالية والتكاملية في الأداء بما في ذلك تحقيق الرقابة المتبادلة بين بعضها البعض فإن المجلس الحزبي الوطني:

1 –
يقرر العمل بأن تمارس اللجنة المركزية مهامها التشريعية والإشرافية المنصوص عليها في النظام الداخلي ويرأسها رئيس تنتخبه اللجنة المركزية من بين أعضائها ويعاونه في أداء مهامه مساعدان له. ويقرر المجلس كذلك بأن يرأس الأمين العام الجهاز التنفيذي للحزب والذي يتكون من الأمانة العامة والمكتب السياسي، ويمارس صلاحياته وفقاً للنظام الداخلي.

2 –
يكلف المجلس الحزبي الوطني اللجنة المركزية بصياغة إرشاد حزبي ينظم العلاقة بين الجهازين التشريعي والتنفيذي يحدد بوضوح آلية تنظيم الشراكة بين رئيسي الجهازين في اتخاذ القرارات الهامة.

ثانياً: استجابة للتحديات الوطنية الراهنة على الصعيد السياسي واعترافاً بتعددية المضامين السياسية لطبيعة القضايا واختلافها والتي تشكل محوراً للاهتمامات المجتمعية في كل من الشمال والجنوب وما تفرضه من ضرورات على الأداء السياسي والتنظيمي للحزب وتتطلب توفير أدوات تنظيمية تتيح لمنظمات الحزب القدرة على التفاعل الايجابي بين مجموع مكوناته التنظيمية ومحيطها الاجتماعي وتنوع أجوائها السياسية فإن المجلس الحزبي الوطني يقرر إعادة هيكلة البنية التنظيمية للحزب على قاعدة اتحادية من إقليمين واتخاذ الاجراءات الكفيلة لتنفيذ هذا القرار عبر تشكيل لجان متخصصة بما يشمل إجراء تغييرات للنظام الداخلي ويكلف اللجنة المركزية بمتابعة تنفيذ هذا القرار مباشرة من انتهاء أعمال الاجتماع الأول للمجلس الوطني وتأصيله من بعد ذلك في الوثائق الأساسية للحزب والبرنامج السياسي والنظام الداخلي. وفي هذه الأثناء يتم تشكيل مجلس تنسيق في المنظمات الحزبية في الشمال أسوة بالمجلس التنسيقي لمنظمات الحزب في الجنوب.

ويتكون مجلسا التنسيق في كل منهما من أعضاء سكرتاريات منظمات الحزب المعنية وإلى جانبهم أعضاء اللجنة المركزية المقيمين في كل من تلك المحافظات.

ولا يشارك في كل من المجلسين أعضاء المكتب السياسي الذين لا يتحملون مناصب حزبية قيادية في المحافظات. وأعضاء الأمانة العامة للجنة المركزية بصفة قاطعة، وفي هذا السياق يكلف المجلس الحزبي الوطني اللجنة المركزية بإعداد ارشاد حزبي تحدد فيه مهام واختصاصات وصلاحيات عمل مجلس التنسيق الحزبي باعتباره آلية تنظيمية مرنة. وكذلك حول علاقة مجلسي التنسيق الحزبي وضوابطها مع اللجان والهيئات القيادية العليا (اللجنة المركزية، المكتب السياسي، الأمانة العامة) ويحدد بوضوح المصادر والموارد المالية والميزانية السنوية لكل من المجلسين والتزامات اللجنة المركزية على هذا الصعيد  .